الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
وجه مناسبة كتاب الرهن لكتاب الصيد من حيث إن كل واحد من الرهن والصيد سبب لتحصيل المال والكلام في الرهن يقع في مواضع: الأول في معناه لغة. والثاني في دليله. والثالث في ركنه. والرابع في شرط لزومه. والخامس في شرط جوازه. والسادس في حكمه. والسابع في سببه. والثامن في صفته. والتاسع في معناه عند الفقهاء. والعاشر في محاسنه. أما معناه لغة فهو عبارة عن الحبس بأي شيء كان، قال الله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} أي محبوسة بما كسبت من المعاصي يقال رهنت الشيء وارتهنته والجمع رهن ورهون ورهان والرهن المرهون تسمية بالمصدر، وأما دليله فقوله تعالى: {فرهان مقبوضة} أمر بأخذ الرهن وقبضه حال المداينة. وأما ركنه فهو الإيجاب وهو قول الراهن رهنت عندك هذا الشيء بما لك علي من الدين أو خذه والقبول شرط له؛ لأن الرهن عقد تبرع؛ لأنه لم يستوجب الرهن بذاته شيئا والتبرع يتم بالإيجاب من غير قبول حتى لو حلف لا يرهن فرهن، ولم يقبل الآخر يحنث. وأما الرابع وهو شرط اللزوم وهو القبض. وأما الخامس وهو شرط الجواز فكونه مقسوما مفرزا فارغا عن الشغل بحق الغير، وأن يكون الرهن بحيث الاستيفاء منه كالدين حتى لا يصح الرهن بما ليس بمال كالحدود والقصاص والعتق. وأما حكمه فملك المرتهن المرهون في حق الحبس حتى يكون أحق بإمساكه إلى وقت إيفاء الدين في حال الحياة. وأما إذا مات الراهن فهو أحق به من سائر الغرماء فيستوفي منه دينه وما فضل فهو للغرماء. وأما سببه فهو الحاجة إليه؛ لأن الإنسان قد لا يجد من لا يقرضه مجانا من غير رهن أو يصبر عليه بغير رهن. وأما صفته قال عامة العلماء بأن الرهن مضمون على المرتهن كما سيأتي بيانه. وأما التاسع وهو تفسيره شرعا فسيتكلم عليه المؤلف. وأما العاشر وهو محاسنه فهو فك عسرة الطلب عن الراهن ووثوق قلب المرتهن بما يحصل ماله، ولو ارتهن على أنه ضاع بغير شيء وأجاز الراهن جاز الرهن وبطل الشرط؛ لأنه تغيير لعقد موضوع بحكم مشروع وتبديل المشروع لا يجوز، والمقبوض بحكم الرهن الفاسد مضمون، وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى لو رهن نصف دار وسلم الدار إلى المرتهن وهلكت لم يذهب من الدين شيء، وهكذا ذكر في نوادر هشام عن محمد رحمهما الله تعالى أنه في الرهن الفاسد لا يذهب بهلاكه الدين، وفي الجامع الكبير لو اشترى مسلم خمرا ورهن بثمنه رهنا فضاع الرهن عنده لا يضمن؛ لأنه رهن باطل في الأول ينعقد فاسدا، والله أعلم وسيأتي له مزيد بيان عند قوله مضمون بأقل من قيمته، وفي الكبرى لو شرط عليه أن يضمن الفضل عن الدين فالشرط باطل قال رحمه الله: (هو حبس شيء بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين)، وهذا حده في الشرع، كذا قال الشارح، وقال قوله كالدين إشارة إلى أن الرهن لا يجوز إلا بالدين؛ لأنه هو حق أمكن استيفاؤه من الدين لعدم تعيينه. وأما العين فلا يمكن استيفاؤها من الرهن ولا يجوز الرهن بها إلا إذا كانت مضمونة بنفسها كالمغصوب والمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد؛ لأن الموجب الأصلي فيها المثل أو القيمة ورد العين لا مخلص على ما عليه الجمهور ولهذا تصح الكفالة به والإبراء عن قيمته ويمتنع وجوب الذكاة عمن هو في يده وماله بقدر القيمة، ولو كان الواجب هو العين لما ثبتت هذه الأحكام، وعند البعض، وإن كان الموجب الأصلي رد العين ورد القيمة مخلص فلا يجب الضمان إلا بعد الهلاك بالقبض السابق ولهذا تعتبر قيمته بالقبض فيكون رهنا لوجود سبب وجوبه فيصح كما هو في الكفالة بخلاف الأعيان الأمانة ا هـ. فإن قيل هذا التعريف للرهن التام أو اللازم وإلا ففي انعقاد الرهن لا يلزم الحبس بل ذلك بالقبض أجيب بأن المراد أنه يتحقق بانعقاد معنى الرهن معنى جعل الشيء محبوسا بحق إلا أن الشارع جعل للعاقد الرجوع عنه ما لم يقبض المرتهن الرهن فقبل القبض يوجد معنى الحبس ولكن لا يلزم ذلك إلا بالقبض والمأخوذ في التعريف المذكور في الكتاب للمرتهن إنما هو نفس الحبس لا لزومه فيصدق هذا التعريف على الرهن قبل تمامه ولزومه أيضا، ولو قال هو عقد يرد على معنى حبس العين بحق يمكن استيفاؤه منه لكان أولى، وقولنا على معنى حبس إلى آخره؛ لأن العقد لا يوجب حقيقة الحبس؛ لأنها بالقبض بل يوجب نفس الحبس، وقول الإمام الزيلعي أن قوله كالدين إشارة إلى أن الرهن لا يجوز إلا بالدين؛ لأنه هو الحق الممكن استيفاؤه من الرهن لعدم تعيينه قلنا المتبادر إليه من الكافي أنه يجوز الرهن بغير الدين أيضا كما ذكرت أمثاله، وقوله شيء صادق على ما لو عين ذلك أولا وعلى ما إذا كان على كل الدين أو بعضه وعلى ما إذا قبض الدين أولا قال قاضي خان رجل دفع إلى رجل ثوبين، وقال خذ أيهما شئت بالمائة التي علي فأخذهما ونحلت في يده قال الثالث لا يذهب من الدين شيء وجعله بمنزلة رجل عليه عشرون درهما يدفع المديون إلى الطالب مائة، وقال خذ منها عشرين بدينك فضاعت المائة قبل أن يأخذ منها عشرين ضاعت من مال المديون والدين على حاله، ولو قال خذ أحدهما رهنا بدينك فأخذهما ونحلت في يده وقيمتهما سواء قال الثالث يذهب نصف قيمة كل واحد منهما بالدين إن كان مثل الدين رجل عليه مائة فأعطى الدائن ثوبا، وقال خذ هذا ببعض حقك فقبضه وهلك يهلك بقيمته قال أبو يوسف لما شاء المرتهن أخذ الرهن، ولم يدفع شيئا فضاع في يده قال أبو يوسف عليه قيمة الرهن أقرض آخر خمسين درهما، فقال المقرض لا يكفيك هذا القدر ولكن أبعث لك ما يكفيك فبعث فدفع إليه فضاع في يده فعلى المرتهن الأقل من قيمة الرهن ومن الخمسين واشتراط خيار الشرط ثلاثة أيام في الرهن غير جائز في المرتهن؛ لأنه يملك فسخه من غير خيار الشرط فلا فائدة في اشتراطه وللراهن جائز؛ لأنه يحتاج إلى الخيار فيه وهو في معنى البيع فيصح إثبات الخيار له فيه كذا في الأصل. قال رحمه الله: (ولزم بإيجاب وقبول ويتم بقبضه محوزا مفرغا مميزا)، وهذا سهو، فإن الرهن لا يلزم بالإيجاب والقبول؛ لأنه تبرع ولكنه ينعقد بهما ويتم بالقبض فيلزم به قال في العناية ركن الرهن الإيجاب وهو قول الراهن رهنت والقبول وهو قول المرتهن قبلت، ثم علل بأنه عقد والعقد ينعقد بهما وأورد عليه بأن صاحب المحيط صرح بأنه عقد تبرع يتم بالإيجاب فقط وهو قول غالب المشايخ، وقال الإمام مالك رضي الله عنه يلزم بالإيجاب والقبول كالبيع والإجارة. وقوله محوزا مفرغا مميزا احترز بالأول عن المشاع، وبالثاني عن المشغول، وبالثالث عن المتصل إذا قبضه كذلك، ثم هذا بيان الرهن بالقول وسنبين ما يصير رهنا بالفعل قال رحمه الله: (والتخلية فيه، وفي البيع قبض) قال الشارح والصواب أن التخلية تسليم؛ لأنه عبارة عن رفع الموانع عن القبض وهو المسلم دون المتسلم والقبض فعل المتسلم؛ لأنه اكتفى بالتخلية؛ لأنه غاية ما يقدر عليه والقبض فعل لغيره فلا يكلف به وهو ظاهر الرواية وعن الثاني أن في المنقول لا بد من النقل والأول أصح والقياس على الغصب باطل؛ لأن قبض الرهن مشروع فيشبه البيع فاكتفي بالتخلية والغصب ليس بمشروع فلا حاجة إلى ثبوت بدون قبض حقيقة وهو النقل ووضع اليد ولا يرد النقض بالصرف؛ لأنه لا بد فيه من القبض حقيقة؛ لأنه ورد على خلاف القياس. قال رحمه الله: (وله أن يرجع عن الرهن ما لم يقبضه المرتهن) لما ذكرنا أنه متبرع ولا لزوم على المتبرع ما لم يسلم بالكتابة وفيه خلاف مالك واختلفوا في القبض. قال الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده: الرهن قبل القبض جائز غير لازم وإنما يصير لازما في حق الرهن بالقبض ا هـ. وإنما يصير لازما في حق المرتهن بالدفع وقبض الراهن الدراهم فلو قال ولهما أن يرجعا ما لم يتقابضا لكان أولى؛ لأنه في حكم الراهن والمرتهن ولا يقال قوله وله أن يرجع المفيد أن عقد الرهن تبرع في حق الراهن ينافيه ما نقل في المحيط وغيره رهن عنده دابتين على مائة فدفع له دابة وقبض منه خمسين وطلب المرتهن الدابة الأخرى وامتنع من قرض الخمسين الباقية يجبر الراهن على قرض الخمسين؛ لأن الرهن لازم من جانب الراهن فما شرط عليه يجبر على دفعه غير لازم فلا يجبر على دفعه ا هـ. لأنا نقول هو تبرع في حق الراهن قبل دفع شيء من الرهن فلا منافاة ولم يتعرض المؤلف رحمه الله تعالى للراهن بالفعل وسنذكر ذلك تتميما للفائدة. قال في الذخيرة من كان له دين على رجل فتقاضاه فلم يقضه فرفع العمامة عن رأس المديون رهنا بدينه وأعطاه منديلا صغيرا يكفيه على رأسه، وقال أحضر ديني لأردها عليك فذهب الرجل وجاء بدينه بعد أيام، وقد هلكت العمامة قال هلكت بالدين، وفي السراجية إذا أخذ عمامة المديون بغير رضاه لتكون رهنا لم تكن رهنا بل غصبا، روى ابن سماعة عن أبي يوسف رجل اشترى من رجل جارية بألف درهم وأبى البائع أن يدفعها إليه حتى يقبض الثمن، وقال المشتري لا أدفع لك الثمن حتى أقبضها فاتفقا على وضع الثمن على يد عدل حتى يقبض الثمن يدفعها إليه فوضع رهنا بالثمن فهلك هلك من مال البائع، وفي الفتاوى الكبرى رهن عبدا بكر حنطة فمات العبد فظهر أن الكر ليس على الراهن فعلى المرتهن قبض كر دون العبد وفي التتمة رجل عليه ثمن عين اشتراها دنانير فدفع للبائع صرة فيها دنانير، فقال خذ هذه الصرة حتى أنفذ لك الثمن، ثم هلكت تهلك من مال البائع قال قلت تهلك هلاك الرهن أم هلاك الثمن؟ قال هلاك الثمن، فإن ظهر أن دينه أجود لا يرجع بالجودة في قول الإمام محمد حيث كانا في الوزن سواء، قال رحمه الله: (وهو مضمون بأقل من قيمته ومن الدين فلو هلك وقيمته مثل الدين صار مستوفيا دينه، وإن كان أكثر من دينه فالفضل أمانة وبقدر الدين صار مستوفيا دينه، وإن كان أقل صار مستوفيا بقدر دينه ويرجع المرتهن بالفضل)، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه الرهن كله أمانة فلا يسقط شيء من الدين بهلاكه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام للمرتهن الذي هلك عنده الفرس ذهب حقه وقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا هلك الرهن هلك الدين» أو ما معناه وأجمع الصحابة والتابعون على ذلك وبيان الدليلين من الجانبين في المطولات، وفي الكافي بيانه إذا رهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن يسقط دينه، وإن كان قيمة الثوب خمسة يرجع المرتهن على الراهن بخمسة أخرى، وإن كانت قيمته خمسة عشر فالفضل أمانة عندنا، وفي الينابيع الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين وفائدة هذا تظهر في مسائل منها إذا رهن عبدا بألف درهم وقيمته ألفان فأبق فرده رجل من مسيرة ثلاثة أيام، فإن الجعل على الراهن وعلى المرتهن نصفان؛ لأن العبد نصفه مضمون بالدين ونصفه أمانة فيكون الجعل بينهما بالحصص ومنها مداواة الأمراض والجروح؛ لأنه ينقسم ذلك على المضمون وعلى الأمانة بالحصص وما أصاب المضمون فعلى المرتهن وما أصاب الأمانة فعلى الراهن، ولو قال وهو مضمون بالأقل من قيمة المضمون ومن الدين لكان أولى ليشمل ما إذا كان قيمة المرهون أكثر من الدين في الأصل والباطل من الرهن ما لا يكون منعقدا أصلا كالباطل من البيع والفاسد ما يكون منعقدا لكن بوصف الفساد والمقابل به يكون مالا مضمونا، وفي كل موضع لم يكن الرهن مالا، ولم يكن المقابل به مضمونا لا ينعقد الرهن أصلا وهو الباطل وتعتبر قيمة الرهن يوم القبض، ولم يذكر المؤلف أحكام غلبة الماء على الأرض المرهونة. قال في المحيط أرض مرهونة غلب عليها الماء فهي بمنزلة العبد إذا أبق لأنها ربما ينزل عنها الماء فتكون الأرض منتفعا بها فلا يسقط الدين لاحتمال العود كالآبق، ولو رهن عبدا حلال الدم أو سرق عند الراهن فقطع عند المرتهن فذاك من ضمان الراهن، ولم يذهب من الدين شيء وبقي مرتهنا بجميع الدين عند الإمام وعندهما السرقة عيب ويقوم سارقا وحلال الدم وغير سارق وغير حلال الدم فيسقط من الدين بمقدار قيمته حلال الدم والقطع ويكون رهنا بحصة قيمته كذلك، ولو وجب عليه حد القذف أو الزنا عند المرتهن أو دخله عيب فيسقط من الدين بقدره. رهن ثوبا يساوي خمسة دراهم ومثال ذهب يساوي عشرة بخمسة دراهم فهلك الذهب ولبس الثوب حتى انخرق ضمن قيمة الثوب يحسب ما له من ذلك درهم وثلثان؛ لأنه ذهب بإذهاب الذهب ثلثا الدين وذلك ثلاثة دراهم وثلث درهم؛ لأن بإزاء الذهب ثلثي الدين وبإزاء الثوب ثلثه، فإذا ذهب الذهب واستهلك الثوب يذهب بإذهاب الثوب ثلث الدين ويضمن مثقال الذهب فيكون رهنا عنده بثلاثة دراهم وثلث، وذكر المؤلف رحمه الله تعالى حكم هلاك العين المرهونة في يد المرتهن ولم يذكر حكم نقصانها قال في الخلاصة إذا نقصت العين المرهونة في يد المرتهن إن كان النقصان في عينها سقط من الدين بقدره ا هـ. ولم يتعرض لما إذا كان بالدين رهنا من جهتين مختلفتين قال قاضي خان رجل عليه دين لآخر وبه كفيل فأخذ الطالب من الكفيل رهنا ومن الأصيل رهنا وأحدهما بعد الآخر وبكل واحد وفاء بالدين فهلك أحد الرهنين عند المرتهن قال زفر رحمه الله تعالى أيهما هلك يهلك بكل الدين، وقال الإمام أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا هلك الرهن الثاني، فإن كان الراهن علم بالرهن الأول، فإن الثاني يهلك بنصف الدين، وإن لم يعلم بذلك يهلك بجميع الدين، وذكر في كتاب الرهن أن الثاني يهلك بنصف الدين، ولم يذكر العلم والجهل وهو الصحيح؛ لأن كل واحد منهما يطالب بجميع الدين فيجعل الرهن الثاني زيادة في الرهن الأول، فإن كانت قيمتهما سواء قسم الدين عليهما فالثاني إذا هلك يهلك بنصف الدين وقد قالوا لو شرط أنه إذا ضاع يكون مجانا فالشرط باطل ويهلك بالدين ولم يتعرض لما إذا هلك في يد المرتهن بعد أن أبرأه الراهن أو وهبه الدين أو أحاله به قال في الخلاصة لو أبرأه عن الدين أو أخاله به أو وهبه له والعبد في يد المرتهن فهلك في يده من غير أن يمنعه عنه لا يضمن استحسانا وهو قول أصحابنا الثلاثة بخلاف ما لو أبرأه الراهن فيما بقي من الدين، ثم هلك الرهن في يد المرتهن وجب عليه رد ما قبض، ولو تصادقا على أن لا دين يبقى مضمونا، ولو أحال المرتهن الراهن بالرهن على إنسان عنده الرهن، ثم مات العبد المرهون قبل أن يرده فيه وتبطل الحوالة، وفي المبسوط مسائله على فصول: أحدها في هلاك الرهن قبل الإبراء. والثاني في هلاكه بعد الاستيفاء. والثالث في هلاكه بعد فسخ الرهن وإقالته. والرابع في هلاكه بعد استعماله. قال رحمه الله: (وهب المرتهن الدين من الراهن أو أبرأه عنه فهلك الرهن عنده من غير منع يضمن المرتهن) قياسا وهو قول زفر ولا يضمن استحسانا، ولو منعه حتى هلك ضمن قيمته اتفاقا، ووجه القياس أن الرهن صار مضمونا على المرتهن بالقبض واليد؛ لأن به يصير مستوفيا للدين ويده على الرهن يد استيفاء للدين ويتقرر ذلك بالهلاك وصار كأنه استوفى، ثم أبرأه فيبقى مضمونا عليه لبقاء اليد والقبض فكذا هذا وجه الاستحسان أن الضمان قد ارتفع قبل تقرر حكمه ووجوبه؛ لأن ضمان الرهن إنما يجب إما بحقيقة الرهن أو بجهته. وقد ارتفع العقد والجهة بسقوط الدين فانتفى الضمان وذلك؛ لأن قيام الدين ودوامه بشرط بقاء الرهن؛ لأن الرهن شرع توثيقا وتوكيدا للدين وبعد سقوطه لا يتصور توثيقه وتوكيده فلا فائدة في بقاء الرهن فلا يبقى فانحل الضمان لارتفاع مناطه فبقيت العين أمانة في يده بخلاف الاستيفاء؛ لأن الاستيفاء يتقرر بالدين ولا يسقط أصلا ولهذا صحت الهبة والإبراء بعد الاستيفاء حتى يلزمه رد ما استوفاه ولا تصح الهبة والإبراء بعد هبة الدين وإبرائه، ولو أخذت المرأة رهنا بصداقها، ثم طلقها الزوج قبل الدخول بهل، ثم هلك الرهن هلك بنصف الصداق؛ لأن الصداق قد سقط فصار كالبراءة عن الدين، ولو قبض المرتهن حقه، ثم هلك عنده ولم يمنعه من قبضه وقيمته مثل الدين رد ما قبض؛ لأن الدين لم يسقط لاستيفاء من وجه في حق بعض الأحكام، وإن سقط في حق المطالبة لما بينا فصار مستوفيا ما قبض بعده استوفاه مرة حكما بالهلاك فيلزمه رد ما قبض آخرا. ولو كان الدين طعاما قرضا فاشتراه من هو عليه بدراهم ودفعها إلى المرتهن، ثم هلك الرهن فعلى المرتهن رد مثل ذلك الطعام وتبين بهذه المسألة أن المرتهن يصير مستوفيا وقت الهلاك دون القبض؛ لأنه لو صار مستوفيا من وقت القبض لما جاز البيع؛ لأنه ليس في ذمة الراهن شيء قضى أجنبي دين المرتهن تطوعا، ثم هلك الرهن في يد المرتهن رد برد المال على المتطوع؛ لأنه استوفى الدين من الراهن بالهلاك بعد ما استوفاه من المتطوع فيجب عليه ذلك كما إذا استوفاه من الغريم، ثم هلك الرهن تصادق الراهن والمرتهن أن لا دين بعد أن اتفقا أنه ألف وهلك الرهن فعلى المرتهن أن يرد الألف؛ لأن الرهن حين هلك كان مضمونا بالدين؛ لأنهما لم يتصادقا أن لا دين قبل الهلاك فصار المرتهن مستوفيا للدين حكما بالهلاك فصار كما لو استوفاه حقيقة، ولو تصادقا أن لا دين قبل الهلاك اختلف المشايخ فيه قيل يملك أمانة؛ لأن الرهن حصل بدين مضمون يتوهم وجوبه فصار الرهن مضمونا بدين مظنون، فإذا زال التوهم بالتصادق على أن لا دين يزول الضمان كما لو زال بالإبراء والهبة. وقيل يضمن؛ لأنه توهم وجوب الدين لم يزل تصادقهما على أن لا دين؛ لأن تصادقهما على عدم الدين لا يمنعهما عن التصادق على الوجوب بعد ذلك لجواز أن يتذكرا بعد ما تصادقا أنه كان عليه دين، وإن بقي توهم الوجوب بقي مضمونا عليه؛ لأن ما به يثبت الضمان وهو توهم الاقتراض منه في الثاني بامتناعه الاقتراض لم يزل لجواز أن يكون أقرضه بعد ذلك فيكون مضمونا عليه، وكذلك لو أخذ عبدا على أن يقرضه ألفا، ثم هلك العبد، فإن كانت قيمته أقل من ألف ضمن قيمته؛ لأنه بجهة الرهن مقبوض فصار كالمقبوض بحقيقة الرهن؛ لأن المقبوض على جهة الشيء كالمقبوض على سوم الشراء، ولو أسلم في طعام وأخذ به رهنا، ثم تفاسخا العقد كان له أن يحبس الرهن حتى يقبض برأس المال؛ لأن رأس المال يدل على المسلم فيه فظهر أن الرهن في حق البدل، فإن هلك الرهن في يده هلك بالطعام؛ لأنه كان مضمونا بالطعام وبالفسخ لم يسقط الطعام أصلا ما لم يصل إليه رأس المال فبقي مضمونا به كما كان بخلاف ما لو أبرأه عن الدين؛ لأن هناك سقط الضمان أصلا لسقوط الدين أصلا، ولو اشترى عبدا، ثم تقابضا، ثم تفاسخا كان للمشتري أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن؛ لأنه عند الفسخ نزل منزلة البائع. وكذلك لو أسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا، ثم تقايلا كان له أن يحبس الرهن حتى يقبض المبيع، فإن هلك الرهن في يده هلك بالثمن على ما بينا أسلم خمسمائة في طعام فرهن به عبدا يساوي الطعام وقبضه، ثم صالح على رأس المال فالقياس أن لا يقبض الراهن العبد ورأس المال دين عليه، وفي الاستحسان يجعل رهنا بدينه ويكون مضمونا، وجه القياس أن رأس المال غير المسلم فيه حقيقة وحكما؛ لأنه ليس ببدل عن الطعام؛ لأن الطعام وجب بالعقد ورأس المال وجب بالإقالة وهما ضدان فما وجب بأحدهما لا يعتبر بدلا عن الآخر فالرهن بالطعام لا يكون رهنا، وجه الاستحسان رأس المال بدل عن المسلم فيه قائم مقامه؛ لأنه كان بدلا له في العقد وبالإقالة والصلح لما سقط حقه في المسلم فيه عاد حقه إلى بدله؛ لأنه، وإن كان دينا حادثا لكن لما قام مقام المسلم إثباتا وإسقاطا فالرهن بالمسلم فيه يكون رهنا بما قام مقامه كالرهن بالمغصوب رهن بقيمته؛ لأنها قائمة مقامه، فإذا استوفى في رأس المال، ثم هلك عنده العبد من غير صنع يعطيه المرتهن مثل الطعام الذي كان له على المسلم إليه ويأخذ منه رأس المال أقرض رجلا كر حنطة وارتهن منه ثوبا قيمته أو صالحه من عليه الحنطة على كر شعير بعينه ويصير الثوب رهنا بالشعير، فإذا هلك يهلك مضمونا بالحنطة؛ لأنه برئ عن الحنطة فصار كما لو برئ بالإيفاء ويجوز أن يكون الشيء رهنا ولا يكون مضمونا كزوائد الرهن يكون محبوسا ولا يكون مضمونا وذلك؛ لأن الرهن استيفاء حكمي والاستيفاء الحكمي لا يربو على الاستيفاء الحقيقي. ولو استوفى المسلم فيه حقيقة، ثم تقايلا السلم صحت الإقالة ويرد عليه طعاما مثله ويأخذ رأس ماله فكذا إذا اصطلحا بعد الاستيفاء الحكمي وفي مسألة القرض لو صالحه على الشعير بعد ما استوفى الحنطة حقيقة لم يجز الصلح؛ لأنه لو صالحه على دين، وليس عليه ذلك الدين لا يصح أصلا فكذا إذا اصطلحا بعد الاستيفاء الحكمي، ولو وهب له رأس المال بعد الصلح، ثم هلك العبد عليه طعام مثله؛ لأن الإقالة لم تبطل بهبة رأس المال؛ لأن الإقالة في السلم لا تقبل البطلان ففي الرهن مضمونا في السلم فيه، وذكر مسألته في الصرف الثانية اشترى ألف درهم بمائة دينار وقبض الألف فقبض بالمائة الدينار رهنا يساويها، ثم تفرقا فسد البيع؛ لأن الافتراق قبل قبض الدنانير فصارت الدراهم مقبوضة في يد مشتريها بحكم صرف فاسد، وليس له أخذ الرهن حتى يرد الألف، فإن هلك الرهن عنده رجع صاحبه عليه بمائة دينار والمرتهن بالألف؛ لأن الدراهم بدل عن الدنانير والرهن بالشيء يكون رهنا به وببدله فيكون محبوسا بالدنانير مضمونا بالدراهم. فإذا هلك الرهن صار مستوفيا للدنانير بحكم صرف فاسد فكان على المرتهن رد الدنانير وعلى الراهن رد الدراهم، فإن لم يفترقا حتى ضاع الرهن فهو بالمائة الدينار؛ لأنه صار مستوفيا للدنانير في المجلس حكما بهلاك الرهن فيصير كما لو استوفى حقيقة فكان الصرف جائزا، ولو ادعى على آخر فأنكره فصالحه على خمسمائة فأعطاه به رهنا وهلك الرهن، ثم اتفقا على أن لا دين يجبره على قضاء خمسمائة درهم للمرتهن؛ لأنه لو أخذ الرهن بدين ثابت من حيث الظاهر بدليل أن القاضي بعد الصلح قبل التصادق أن لا دين يجبره على قضاء خمسمائة درهم والرهن بدين ثابت ظاهرا مضمون على المرتهن؛ لأن الرهن المقبوض بجهة القرض مضمون مع أن الدين غير ثابت فالرهن بدين ثابت ظاهرا أو لا يكون مضمونا؛ لأن الرهن يملك في حق ملك اليد والحبس بإزاء ما عليه من الدين والراهن لم يرض بقليله مجانا بل رهن بشرط العوض وهو سقوط الدين بإزائه، ولو كانت الدعوى في وديعة، فقال المودع رددتها، ثم اصطلحا على خمسمائة وأخذ بها رهنا فهلك ثم تصادقا أنه ردها فالرهن غير مضمون عند أبي يوسف وهي كالمسألة التي قبلها، ولو ادعى صاحب الوديعة استهلاكا، ولم يدع المودع شيئا حتى صالحه، ثم رهنه فهلك الرهن ثم اتفقا على الهلاك هلك الرهن مضمونا بلا خلاف، وذكر محمد رحمه الله تعالى رجوع أبي يوسف رحمه الله تعالى عن هذا القول إلى قول محمد رحمهما الله تعالى وهو الصحيح، وهذا بناء على أن هذا الصلح لا يجوز في قوله أولا، وفي قوله الآخر يجوز وهو قول محمد وجه قوله الأول أن البراءة عن الضمان تثبت بقول المودع كان الصلح باطلا، ووجه قوله الآخر مذكور فيه. وقوله مضمون قال في العناية قيل ذكر مضمون للتأكيد، وقيل احتراز عن دين يجب كالرهن بالدرك وهو ضمان الدرك عند استحقاق المبيع، ولم يتعرض المؤلف لمسألة القلب قال في المبسوط رهن قلب فضة على أن يقرضه درهما فهلك قبل أن يقرضه يعطيه درهما؛ لأنه مقبوض على وجهة الرهن والمقبوض بجهة الرهن كالمقبوض على حقيقة الرهن كالمقبوض على سوم الشراء قال على أن أقرضه شيئا ولم يسم شيئا فهلك يعطيه ما شاء؛ لأنه بالهلاك صار مستوفيا شيئا فصار كأنه عند الهلاك قال وجب لفلان علي شيء، ولو قال أمسكه رهنا بنفقة تعطيها إياه؛ لأنه يصير مستوفيا مالا مجهولا بالهلاك، ولو قال أمسكه رهنا بدراهم يلزمه ثلاثة؛ لأن أقل الجمع ثلاثة كما لو قال لفلان علي دراهم، وفي المنتقى، ولو رهنه رهنا على أن يقرضه، ولم يسم القرض قال يعطيه المرتهن ما شاء، فإن قال أعطيك فلما قال محمد رحمه الله تعالى لا أستحسن أقل من درهم؛ لأنه مقبوض على سوم الرهن ولا تسمية في القرض فلا يمكن اعتبار قيمته إذ لا تقدير في القرض فيعطيه ما شاء؛ لأن الإبهام جاء من قبله ولا يصدق في أقل من درهم؛ لأن العادة لم تجر في اقتراض أقل من درهم. وهذه المسألة المذكورة في عيون مسائل لأبي الليث أيضا، وذكر المعلى عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى لو قال رجل أقرضني وخذ هذا الرهن، ولم يسم القرض فأخذ الرهن فضاع ولم يقرضه قال عليه قيمة الرهن، ولو رهن ثوبا، فقال أمسكه بعشرين درهما فهلك الثوب عند المرتهن قبل أن يعطيه شيئا فعليه قيمة الثوب إلا إن تجاوز قيمته عشرين؛ لأن الرهن مضمون بأقل من قيمته ومن الدين رهن دابتين على أن يقرضه مائة وقيمة أحدهما خمسون والأخرى ثلاثون فقبض وقبض التي قيمتها خمسون فهلكت يرد خمسين؛ لأنه مضمون بالقيمة لا بالمسمى كالمقبوض بجهة البيع، فإن بدا له أن يأخذ الأخرى ويقرضه له ذلك ولا يجبر على القرض؛ لأن الرهن لازم في جانب الراهن فما شرط على الراهن في الرهن يكون لازما، وفي حق المرتهن غير لازم فما شرطه على المرتهن لا يكون لازما والقرض مشروط على المرتهن فيكون لازما في حقه، ولو هلكت إحداهما عند الراهن واختلفا في قيمة التي هلكت عند المرتهن فالقول للمرتهن؛ لأن الراهن يدعي على المرتهن زيادة ضمان وهو ينكر، فإن بقيت إحداهما ينظر إلى قيمة الباقي فتظهر قيمة الهالك فلا يلتفت إلى اختلافهما؛ لأنه أمكن معرفة ما وقع التنازع فيه لا من جهتهما ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى رجل رهن رجلا ثوبا، فقال له إن لم أعطك كذا وكذا فهو بيع لك بما لك علي قال لا يجوز. وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يعلق الرهن» هو هذا، ولو رهن الغاصب بالمغصوب رهنا والمغصوب قائم في يده وهو مقر به ثم رده على المغصوب منه وهلك الرهن عند المرتهن فالمغصوب منه ضامن من قيمة المغصوب وقيمة الرهن؛ لأنه أخذه على جهة الضمان، وليس يكون المغصوب دينا يدفع به رهنا ولكنه لما رهنه صار رهنا، وإن لم يكن صحيحا، ولو اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن بعد هلاكه فالقول للمرتهن والبينة للراهن؛ لأن الراهن يدعي عليه زيادة وهو ينكر فكانت بينته أكثر إثباتا ادعى عبدا في يد غيره أنه عبده رهنه من فلان وقبضه فلان وذو اليد يقول هو عبد لي يقضى للمدعي؛ لأن ذا اليد انتصب خصما للمدعي؛ لأنه ادعى الملك لنفسه ويوضع على يدي عدل حتى يحضر الغائب بخلاف ما لو أقر بالملك للغائب فقد أقر أنه ليس له حق الإمساك؛ لأنه يتصور أن يكون ممسكا لملك الغير بحكم النيابة، ولو ادعى المرتهن هذا والرهن غائب يدفع إليه إذا قال غصبه ذو اليد وأخذتها مني بعارية أو إجارة؛ لأنه ادعى فعلا على ذي اليد وأنكر ذو اليد فينصب خصما له. فلو لم يدع على ذي اليد الأخذ من يده لا يدفع إليه؛ لأنه لم يثبت الأخذ من يده كما لو ادعى عينا في يد إنسان أنها ملكه اغتصبها منه وأقام ذو اليد البينة على أنها وديعة عنده لفلان تقبل بينة المدعي؛ لأنه ادعى فعلا عليه فانتصب خصما له، فإن لم يدع الأخذ من يده لا تقبل بينته ولا ينتصب خصما فكذا هذا أقر المرتهن أن في يده رهنا قيمته ألف، ثم جاء بما يساوي مائة، فقال لم أرهنك هذا فالقول له إذا تراجع سعر ما يساوي ألفا إلى مائة فالقول للمرتهن؛ لأنه إذا عرف تغيير السعر الظاهر شاهد للمرتهن، ولو قال رهنتك وهو مسلم، وقال المرتهن وهو كافر فالقول للمرتهن والبينة للراهن، وكذلك القصاص والسرقة؛ لأن الراهن يدعي عليه الإيفاء أو زيادة الإيفاء وهو ينكر فيكون القول له قال المرتهن أخذت المال ورددت الرهن وأنكر الراهن الرد فالبينة للراهن؛ لأن بينة الرهن تثبت الضمان على المرتهن؛ لأن ضمان الرهن والاستيفاء لم يكن ثابتا بالقبض السابق؛ لأن قبض الرهن قبل الهلاك كان استيفاء في حق الحبس لا في حق ملك الغير وبالهلاك يصير قبض الاستيفاء في حق ملك الغير فلم يكن ضمان الاستيفاء ثابتا قبل الهلاك فكانت بينته مثبتة الضمان وبينة الراهن نافية فكانت المثبتة أولى بخلاف ما لو أقام الغاصب البينة على رد المغصوب وأقام المالك البينة على الهلاك. فبينة الغاصب أولى؛ لأن ضمان الرد كان واجبا بالغصب السابق؛ لأنه أوجب رد العين حال قيامها ورد القيمة حال هلاكها فبينة الغاصب مثبتة البراءة عن الضمان وبينة المالك نافية للبراءة فكانت المثبتة أولى دفع إلى آخر قلبا ليرهنه له عند رجل بعشرة ووزن القلب عشرون فأمسكه فأعطاه عشرة من عنده، وقال رهنته ولم يقل رهنته عند آخر فهلك القلب، فإن تصادقا يرجع بالعشرة وكان أمينا في القلب، وإن تجاحدا، فقال أقررت بأنك رهنته قلت فلا شيء له يقبل قوله بعد أن يحلف ما يعلم أنه أمسكه؛ لأن الوكيل أقر أولا أنه رهنه، فإذا قال لم أرهن فكأنه قال كذبت فيما أقررت به فأنكر المقر له فيكون القول للمقر له كما في سائر الأقارير فلا يرجع بالعشرة؛ لأنه يثبت الرهن، وقد هلك فصار الأمر موفيا العشرة بهلاك الرهن وإنما يستحلف؛ لأن المقر ادعى ما يحتمله إقراره؛ لأنه يحتمل أنه لم يرهن غيره ورهنه من نفسه فلم يصر مناقضا إلا أنه خلاف الظاهر، فإذا طلب يمين المقر له يستحلف كما لو أقر بالبيع ثم قال كان تلجئة أو كان فيه خيار شرط. فإن قال الأمر للوكيل أقررت أنك رهنته، ثم أقررت أنك لم ترهنه فناقضت فأنت ضامن فله أن يضمنه قيمة القلب من الذهب ويضمن له العشرة طعن عيسى، وقال الأوجه ضمان القيمة؛ لأنهما لو تصادقا أنه لم يرهنه لا يضمن فكذلك إذا تصادقا أنه رهنه، فإنه لا يضمن بالإرهان ولا يتركه والجواب أنه يضمن بجحود الأمانة؛ لأنه ثبت جحوده بالإقرارين؛ لأنه لما قال رهنته فقد أقر أنه لم يكن في يده؛ لأن الرهن لا يتم إلا بالتسليم فلما قال لم أرهنه صار قائلا أنه كان عندي وفي يدي، وهذا هو معنى الجحود ومن جحد أمانة في يده ضمنها وصار كالمودع إذا قال ليس عندي، ثم قال كان عندي ضمن فكذا هذا. قال رحمه الله: (وله أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به) أي للمرتهن أن يطالب الراهن بدينه وبحبسه به، وإن كان بعد الرهن في يده؛ لأن حقه باق، والرهن لزيادة الصيانة فلا تمتنع المطالبة، وكذا لا يمتنع الحبس به؛ لأنه جزاء الظلم وهو المماطلة على ما بيناه في القضاء مفصلا، وقال الكرخي في مختصره وللمرتهن مطالبة الراهن بدينه إذا كان مالا ولا يمنعه الارتهان به من ذلك ولا كون الرهن في يده، وكذلك إذا كان مؤجلا وحل، فإنه لا يمنع حبسه كذا في العيني على الهداية قال رحمه الله: (ويؤمر المرتهن بإحضار رهنه والراهن بأداء دينه أولا) أي إذا طلب المرتهن دينه يؤمر بإحضار الرهن أولا ليعلم أنه باق ولأنه قبض الرهن قبل الاستيفاء ولا يجوز أن يقبض ماله مع قيام يد الاستيفاء؛ لأنه يؤدي إلى تكرار الاستيفاء على اعتبار الهلاك في يد المرتهن وهو يحتمل. ولو قال بإحضار رهنه لو في يده لكان أولى ليخرج ما إذا كان في يد عدل، فإنه لا يؤمر بإحضاره كما سنبين وإذا أحضر المرتهن الرهن أمر الراهن بتسليم الدين أولا وهو المراد بقوله والراهن بأداء دينه أولا ليتعين حق المرتهن في الدين كما تعين حق الراهن في حق الرهن تحقيقا للتسوية بينهما كما في تسليم المبيع والثمن يحضر البائع المبيع، ثم يسلم المشتري الثمن الأول لما ذكرنا، وإن طالبه بالدين في غير البلد الذي وقع العقد فيه، فإن كان الرهن لا حمل له ولا مؤنة فكذلك الجواب؛ لأن الأماكن كلها في حقه كبقعة واحدة في حق التسليم ولهذا لا يشترط فيه بيان مكان الإيفاء فيه في باب السلم بالإجماع، وإن كان له حمل ومؤنة فيستوفي دينه ولا يكلف إحضار الرهن؛ لأن الواجب عليه التسليم بالتخلية دون النقل؛ لأنه يتضرر به زيادة ضرر لم تلزمه في العقد، ولو باع الرهن لا يكلف المشتري إحضار الرهن؛ لأنه لا قدرة له عليه؛ لأن بيعه بأمر الراهن الصحيح وصار الرهن دينا فصار كأنه رهنه الراهن وهو دين، ولو قبض الثمن يكلف إحضاره لقيام البدل مقام المبدل والذي يقبض الثمن هو البائع مرتهنا كان أو عدلا؛ لأنه هو العاقد وحقوق العقد ترجع إليه ولا يكلف إحضار الرهن باستيفاء كل الدين يكلف باستيفاء نجم قد حل إذا ادعى الراهن هلاكه لاحتمال الهلاك بخلاف ما إذا لم يدع الراهن هلاكه؛ لأنه لا فائدة في إحضاره مع إقراره. وهذا بخلاف ما إذا قتل رجل خطأ العبد الرهن حتى قضى بالقيمة على عاقلته في ثلاث سنين حيث لا يجبر الراهن وفيما تقدم صار دينا بفعله ولا بد من إحضار جميع القيمة؛ لأنه يقوم مقام العين لكونها بدلا عنها، ولو وضع الرهن على يد عدل وأذن بالإيداع ففعل، ثم جاء المرتهن فطلب دينه لا يكلف إحضاره؛ لأنه لم يؤتمن عليه حيث وضع على يده غيره فلم يكن تسليمه في قدرته، وكذا لو وضعه العدل في يد من في عياله وغاب وطلب المرتهن دينه والذي في يده الرهن يقر الوديعة من العدل ويقول لا أدري لمن هو يجبر الراهن على قضاء الدين؛ لأن إحضار الرهن ليس على المرتهن؛ لأنه يقبض، وكذا إذا غاب العدل ولا يدري أين هو لما قلنا بخلاف ما إذا جحد الذي أودعه العدل الرهن بأن قال هو مالي حيث لا يرجع المرتهن على الراهن بشيء حتى يثبت أنه رهن؛ لأنه لما جحد فقد توى المال والتوى على المرتهن فتحقق الاستيفاء فلا يملك المطالبة به، وفي الفتاوى الغياثية، ولو رهن الذمي خمرا عند مسلم كان مضمونا عليه بالدين. ا هـ. وفي الينابيع لو تزوج امرأة على دراهم أو دنانير بعينها وأخذ بها رهنا لم يصح عندنا خلافا لزفر قال رحمه الله: له (فإن كان الرهن في يد المرتهن لا يمكنه من البيع حتى يقبض الدين) أي لو أراد الراهن أن يبيع الرهن لكي يقضي بثمنه الدين لا يجبر المرتهن أن يمكنه من البيع حتى يقبض الدين؛ لأن حكم الرهن الحبس الدائم إلى أن يقضي الدين لا القضاء من ثمنه على ما بينا من قبل، فلو قضاه البعض فله أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية كما في حبس المبيع. قال رحمه الله: (فإذا قضى سلم الرهن) أي إذا قضى الراهن جميع الدين سلم المرتهن الرهن إليه لزوال المانع من التسليم لوصول حق المرتهن إليه فلو هلك الرهن بعد قضاء الدين قبل تسليمه إلى الراهن استرد الراهن ما قضاه من الدين؛ لأنه تبين بالهلاك أنه صار مستوفيا من وقت القبض السابق فكان الثاني استيفاء بعد استيفاء فيجب رده، وهذا لأنه بإيفاء الدين لا ينفسخ الرهن حتى يرده إلى صاحبه فيكون مضمونا على حاله بعد قضاء الدين ما لم يسلمه إلى الراهن أو يبرئه المرتهن عن الدين، وكذا لو فسخا الرهن لا ينفسخ ما دام في يده حتى كان للمرتهن أن يمنعه بعد الفسخ حتى يستوفي دينه، ولو هلك بعد الفسخ يكون كما لو هلك قبله فيكون هالكا بدينه بخلاف ما إذا هلك بعد الإبراء حيث لا يضمن استحسانا؛ لأنه لم يبق رهنا؛ لأن بقاءه رهنا بأمرين بالقبض والدين، فإذا مات أحدهما لم يبق رهنا، وقد قدمناه مفصلا قال رحمه الله: (ولا ينتفع المرتهن بالرهن استخداما وسكنى ولبسا وإجارة وإعارة)؛ لأن الرهن يقتضي الحبس إلى أن يستوفي دينه دون الانتفاع فلا يجوز الانتفاع إلا بتسليط منه، وإن فعل كان متعديا ولا يبطل الرهن بالتعدي قال في المبسوط، وليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون إلا بإذن الراهن. فإذا أذن له جاز أن يفعل ما أذن له فيه، ولو فعل من غير إذن صار ضامنا بحكم الرهن بحكم وقابضا الغصب، وإن ترك الاستعمال عاد لكونه رهنا، ولو استعمل الرهن بإذن المرتهن، فإن هلك حالة الانتفاع لم يسقط من الدين شيء؛ لأنه بالإذن صار مقبوضا بحكم العارية، وإن خالف وهلك في حال الاستعمال يضمن ضمان الغصب، وفي المنتقى لو أودع المرتهن المرهون بإذنه وهلك في يد المودع لم يسقط الدين كما لو أعاره من غيره بإذن الراهن فقد خرج من ضمان المرتهن وله أن يستره؛ لأن الرهن عقد قائم ولكن حكمه وهو الضمان مرتفع في زمان الإيداع لما بينا، ولو أجره من أجنبي سنة بغير إذن الراهن وانقضت السنة، ثم أجاز الراهن الإجارة لم تصح؛ لأن الإجارة لاقت عقدا منتفيا مفسوخا وللمرتهن أن يأخذها حتى يصير رهنا كما كان، وإن أجاز بعد مضي ستة أشهر جاز ونصف الأجرة للمرتهن يتصدق به ونصفها للراهن، وليس للمرتهن أن يعيدها في الرهن كما بينا، وذكر أبو الليث في العيون، ولو أعار المرتهن من الراهن، ثم مات الراهن، فإنه يرجع إلى المرتهن ولا يكون أسوة الغرماء؛ لأن الرهن لم ينفسخ بالإعارة فيكون الرهن في يد المستعير لكونه في يد المعير فكان مقبوضا له وبالموت انفسخت الإعارة فعادت يد المرتهن كما كانت. ولو ارتهن جارية، ثم أعارها الراهن فولدت عند الراهن، ثم ماتت فللمرتهن أن يعيد الولد بحصته؛ لأن الرهن لم ينتقض بإعارة الرهن من الراهن فيسري إلى الولد، والله تعالى أعلم، وفي المنتقى إذا كان الرهن ثوبا فأذن له الراهن في لبسه يوما، ثم جاء به متخرقا، فقال المرتهن تخرق من لبسه من ذلك اليوم، فقال الراهن لم يتخرق من لبسك، ولم تلبسه فالقول قول الراهن؛ لأن المرتهن ادعى البراءة عن الضمان لاستعمال الثوب بإذن الراهن وهو ينكر فيكون القول له، فإذا أقر الراهن أنه لبسه في ذلك اليوم وتخرق قبل لبسه أو بعده فالقول قول المرتهن أنه تخرق من لبسه والبينة بينة الراهن؛ لأن الظاهر شاهد للمرتهن؛ لأن فعله وهو اللبس سبب التخرق ظاهرا وغير موهوم فيه في حال التخرق في السبب الظاهر دون الموهوم، والله تعالى أعلم. ولم يتعرض المؤلف للسعر بالعين المرهونة ولا لما إذا أعير الرهن للمرتهن قال في الغياثية وللمرتهن أن يسافر بالرهن إذا كان له حمل ومؤنة أو لم يكن وعن محمد أنه كالوديعة رهن المرتهن وارتهانه موقوف، ولو رهن عبدا مريضا فقتل فالدين على حاله خلافا لهما، وكذا إذا قتل قصاصا بعمد أو بسرقة ويصدق المرتهن أنه كان هكذا، ولو احترق النخل ذهب بحصته. وفي الخانية رهن عبد أو غاب ثم إن المرتهن وجد العبد حرا، فإن كان العبد أقر بالرق عند الرهن لم يرجع المرتهن بدينه عليه أخذت المرأة بصداقها المسمى رهنا يساوي صداقها ثم وهبت صداقها من الزوج أو أبرأته كان عليها رد الرهن إلى الزوج، فإن هلك الرهن عندها يهلك بغير شيء، ولو اختلعت المرأة من زوجها بعد ما وهبت مهرها كان عليها رد الرهن ولا يبطل الرهن بموت الراهن ولا بموت المرتهن ولا بموتها وبقي الرهن رهنا عند الورثة وسيأتي له مزيد بيان. قال رحمه الله: (ويحفظ بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله) معناه أن يكون الولد أيضا في عياله؛ لأن عينه أمانة على ما بينا فصار كالوديعة وأجيره الخاص كولده الذي في عياله وهو الذي استأجره مشاهرة أو مسانهة والمعتبر فيه المساكنة ولا عبرة بالنفقة حتى إن المرأة لو دفعته إلى زوجها لا تضمن قال في المنتقى الأصل أن المرتهن أو المستأجر متى أمسك العين للحفظ لا يضمن ومتى أمسكها للاستعمال يضمن فالحد الفاصل بينهما هو أنه متى أمسك الشيء في موضع لا يمسك فيه إلا للاستعمال والانتفاع في ذلك الموضع فهو استعمال وإذا أمسكه في موضع لا يمسكه فيه للاستعمال فهو حفظ فعلى هذا قالوا إذا تسورت بالخلخال أو تخلخلت بالسوار أو تعمم بالقميص أو وضع العمامة على العاتق فهذا كله حفظ، وليس باستعمال؛ لأن الاستعمال للإمساك في موضع لا يمسك للاستعمال فكان الإمساك للحفظ وإذا تسور بالسوار وما أشبه ضمن؛ لأن الإمساك وجد في موضع للاستعمال فكان استعمالا وحفظا. وروي عن محمد رحمه الله تعالى الرهن إذا كان خاتما فتختم به في الخنصر اليمنى يضمن؛ لأن من الناس من يتختم في يمينه للزينة، وإن تختم فوق خاتم في ذلك الإصبع لا يضمن قيل لمحمد إن الناس يستعملون خاتمين في خنصر واحد قال إنما يستعملونه للختم لا للزينة، قال مشايخنا: وهذا في بلادهم، وأما في بلادنا فقد يستعملون الثاني للزينة قال مشايخنا فيجب أن يضمن، وإن تختم في أصبع غير الخنصر لا يضمن؛ لأنه لا يستعمل كذلك قط استعمال الزينة، قال بعض مشايخنا: إذا تختم وجعل الفص مما يلي في الكف لم يضمن وكان حفظا لا استعمالا الوكيل يقبض الدين إذا أخذ الرهن ممن عليه الدين فضاع عنده أو الوصي إذا أخذ رهنا من غريم للميت بدين عليه والورثة كبار فضاع عنده قال محمد رحمه الله تعالى لا ضمان عليه؛ لأنه لم يل الإقراض والأداء وإنما قبضه على أن يكون أمينا فيه لصاحب الدين. قال رحمه الله: (وضمن بحفظه بغيره وبإيداعه وتعديه قيمته) لما بينا أن عينه وديعة الوديعة تضمن بهذه الأشياء لكونه متعديا بها فيضمن من جميع قيمته كالمغصوب وهل يضمن للمودع الثاني فهو على الخلاف الذي بيناه في مودع المودع في كتاب الوديعة، ثم إن قضى القاضي بالقيمة من جنس الدين يلتقيان قصاصا بمجرد القضاء إذا كان الدين حالا فلا يطالب كل واحد منهما صاحبه إلا بالفضل، وإن كان مؤجلا يضمن المرتهن قيمته ويكون رهنا عنده؛ لأنه بدل الرهن فيكون له حكم أصله، فإذا حل الأجل أخذه بدينه، وإن قضى بالقيمة من خلاف جنس الدين كان رهنا عنده إلى أن يقضيه دينه؛ لأنه بدل الرهن فأخذ حكمه، ولو رهن خاتما عند امرأة فجعلت خاتما فوق خاتم تضمن؛ لأن النساء يلبسن كذلك فيكون من باب الاستعمال بغير إذن المالك، وكذا الطيلسان إن لبسه لبسا معتادا ضمن، ولو وضعه على عنقه لم يضمن، وفي الواقعات رجل رهن عند رجل خاتما، وقال للمرتهن تختم به إن أمره أن يتختم به في الخنصر فهلك في حال التختم يهلك بالدين؛ لأنه أمر بالحفظ لا بالاستعمال، وفي الذخيرة هو الصحيح، ولو رهنه سيفين فتقلدهما ضمن قال فخر الدين والفتوى على أنه يضمن وفي الثلاثة لا يضمن؛ لأن العادة جرت بين الشجعان بتقليد السيفين في الحرب دون الثلاثة، وفي المحيط، ولو باع المرتهن زوائد الرهن بغير إذن الراهن أو القاضي لم يجز بيعه ويضمن قيمته، وإن خاف تلفه فجذ الثمار وحلب اللبن جاز استحسانا؛ لأنه نوع من الحفظ، فإن خاف تلفه عنده فأمسكه يرفع الأمر إلى القاضي حتى يبيعه أو يأذن له في البيع إن كان المالك غائبا، وإن كان حاضرا يرجع إليه، ولو كان المرتهن بعيدا من القاضي والمالك وخاف التلف فباعه بنفسه لم يضمن هكذا روي عن محمد؛ لأنه مأذون له في مثل هذه الحالة في البيع دلالة، وليس للمرتهن ولا للراهن أن يزرع الأرض ولا أن يؤجرها؛ لأنه ليس له الانتفاع بالرهن. قال رحمه الله: (وأجرة بيت الحفظ وحافظه على المرتهن وأجرة راعيه ونفقته والخراج على الراهن) والأصل فيه أن ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن لنفسه وتبقيته فهو على الراهن سواء كان في فصل أو لم يكن؛ لأن العين باقية على ملكه، وكذا منافعه مملوكة له فيكون أصلا وتبقيته عليه لما أنه مؤنة ملكه كما في الوديعة وذلك مثل النفقة من مأكله ومشربه وأجرة الراعي مثله؛ لأنه علف البهائم. ومن هذا الجنس كسوة الرقيق وأجرة ظئر ولد الرهن وكري النهر وكسر النهر وسقي البساتين وتلقيح نخيله وجذاذها والقيام بمصالحه، وفي النوازل أبى الراهن أن ينفق على الرهن فالقاضي يأمر المرتهن بالنفقة، فإذا قبض الدين فللمرتهن أن يحبسه على النفقة، فإن هلك في هذه الحالة والنفقة على الراهن وكل ما كان لحفظه أو لرده إلى يد المرتهن أو لرد جزء منه كمداواة الجرح فهو على المرتهن، مثل أجرة الحافظ؛ لأن الإمساك حق له والحفظ واجب عليه فتكون مؤنته عليه، وكذلك أجرة البيت التي يحفظ فيه الرهن وعن أبي يوسف أن أجرة المأوى على الراهن بمنزلة النفقة ومن هذا القسم جعل الآبق إذا كان كله مضمونا؛ لأن يد الاستيفاء كانت ثابتة على المحل ويحتاج إلى إعادة يد الاستيفاء ليرده على المالك فكانت من مؤنة الرد فتكون عليه، وإن كان بعضه أمانة فيقدر المضمون على المرتهن وحصة الأمانة على الراهن ولأن الرد لإعادة اليد ويده في الزيادة يد المالك إذ هو كالمودع فيها فتكون على المالك بخلاف أجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن، فإن كلها تجب على المرتهن كيفما كان؛ لأن وجوبها لأجل الحبس وحق الحبس ثابت له في الكل. وأما الجعل فلأجل الضمان فيتقدر بقدره والمداواة والفداء من الجناية ينقسم على المضمون والأمانة والخراج على الراهن؛ لأنه مؤنة الملك والعشر فيما يخرج مقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين ولا يبطل الرهن به في الباقي؛ لأن وجوبه لا ينافي ملكه، ألا ترى أنه لو باع الخارج كله في غير الرهن قبل أداء العشر يجوز فكذا له أن يخرج بدل العشر من مال آخر، وإن كان ملكه ثابتا فيه بقي رهنا على حاله بخلاف استحقاق جزء شائع من الرهن حيث يبطل الرهن في الباقي؛ لأنه تبين بالاستحقاق أنه لا يملك قدر المستحق فكان الرهن شائعا في الابتداء وتبين أن الرهن كان باطلا ولا كذلك وجوب العشر؛ لأن وجوبه لا ينافي ملك الراهن لا فيه ولا في غيره، ثم إذا خرج منه العشر خرج ذلك الجزء عن ملكه في الوقت فلم يوجب شيوعا في الباقي لا طارئا ولا مقارنا وما أداه أحدهما مما يجب على الآخر بغير أمر القاضي فهو متطوع كما إذا قضى دين غيره بغير أمره، وإن كان بأمر القاضي وجعله دينا على الآخر رجع عليه وبمجرد أمر القاضي من غير تصريح يجعله دينا عليه لا يرجع عليه إذا كان صاحبه حاضرا، وإن كان بأمر القاضي؛ لأنه يمكنه أن يرفع الأمر إلى القاضي فيأمر صاحبه بذلك. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يرجع في الوجهين وهو فرع مسألة الحجر؛ لأن القاضي لا يلي على الحاضر ولا ينفذ أمره عليه، وفي المحيط والعشر والخراج على الراهن. ا هـ. ولم يذكر المؤلف الدعوى والشهادة في الرهن ودعوى الرجلين الرهن أو أحدهما قال في المبسوط مسائله على فصول: فصل في اختلافهما في الرهن، وفصل في اختلاف الشاهدين في النطق، وفصل في شهادة الراهنين والمرتهنين بالمرهون لغيره، وفصل في إقامة الواحد البينة على رجلين في الرهن قال الراهن رهنتك هذه العين وقبضتها مني وأقام البينة والعين قائمة في يد المرتهن وهو ينكر أو قال بل رهنتني عينا أخرى فأقاما البينة تقبل بينة المرتهن والقول له لا تقبل بينة الراهن؛ لأن بينة المرتهن تثبت الحق نفسه وبينة الراهن تثبت الحق لغيره وهو ملك اليد والحبس وبينة من يثبت الحق لنفسه أولى؛ لأنه لا فائدة في قبول بينة الراهن؛ لأن المرتهن رد ذلك، فإن الرهن غير لازم وإذا كانت العين هالكة فالبينة للراهن إذا كان ما يدعيه الراهن أكثر؛ لأن بينته تثبت زيادة أقام الراهن البينة أنه رهنه عبدا بألف يساوي ألفين وقبضه وأنكر المرتهن يضمن قيمته كلها النصف يسقط بدينه ويؤخذ بالنصف؛ لأنه جحده فصار ضامنا بالجحود كالمودع جحد الوديعة يصير ضامنا للوديعة، وكذلك إن سكت المرتهن ولم يقر، ولم يجحد؛ لأن السكوت جحود حكما. ألا ترى لو أخر شيئا فسكت يسمع عليه كما لو جحد، ولو قال المرتهن تساوي خمسمائة لا يسمع قوله؛ لأنه خلاف ما قامت عليه، ولو قال المرتهن رهنتني هذين الثوبين، وقال الراهن أحدهما بعينه فالقول للراهن والبينة للمرتهن يدعي عليه زيادة رهن وهو ينكر الرهن رهن عبدا والدين ألف فذهب عين العبد وهو يساوي ألفا، فقال الراهن كانت هذه قيمته يوم رهنتك فقد ذهب نصف حقك، وقال المرتهن بل كانت خمسمائة يومئذ وازدادت من بعد فالقول للراهن والبينة له أيضا؛ لأن القيمة للحال ألف فيكون الحال شاهدا للماضي كمن استأجر طاحونة واختلفا في جريان الماء وانقطاعه يحكم الحال فكذا الراهن بينته تثبت أكثر القيمتين وبينة المرتهن تنفي فكانت المثبتة أولى وإذا أنكر المرتهن الرهن فشهدت إحداهما أنه رهنه بألف والأخرى بألفين لا تقبل؛ لأن الدين بهذه الأشياء لم يثبت عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن اختلاف الشاهدين في المشهود به يمنع قبول الشهادة عنده وإذا لم يثبت الدين لم يثبت الرهن؛ لأن صحته منوطة بالدين وعندهما هو رهن بالأقل؛ لأنه يثبت دين ألف بهذه الشهادة عند هما إذا كان المدعي يدعي أكثر المالين ادعى الراهن الرهن بمائة وخمسين وهي قيمته وشهد أحدهما بذلك والآخر بمائة. وقال المرتهن عليه مائة وخمسون، وهذا رهن بمائة منها فالقول للمرتهن والبينة للراهن؛ لأنه يثبت الدين وهو مائة وخمسون لتصادقهما عليه لا بالبينة وتصادقا أن العين رهن بمائة فصار رهنا بمائة بتصادقهما على ذلك إلا أن بينة الراهن أكثر إثباتا؛ لأنه يثبت زيادة إيفاء على المرتهن أقام البينة أنه استودعه وهو أقام البينة أنه ارتهنه تقبل بينة المرتهن؛ لأن الرهن جاء لازما وفيه ضمان ولا لزوم ولا ضمان في الوديعة فكانت بينة الراهن أكثر إثباتا ولأنه أمكن العمل بالبينتين بأن يجعل كأنه أودعه، ثم رهنه؛ لأن الرهن يرد على الإيداع. وأما الإيداع لا يرد على الرهن إلا برضا المرتهن، الراهن أقام البينة على الرهن والآخر على البيع جعل بيعا؛ لأن البيع لازم من الجانبين والرهن غير لازم من جانب المرتهن والبيع يوجب الملك للحال والرهن لا فكانت بينة البيع أكثر إثباتا ولأنه أمكن العمل بالبينتين بأن تجعل كأنه رهن أولا، ثم باع؛ لأن البيع يرد على الرهن والرهن لا يرد على البيع. وكذلك لو ادعى المرتهن الهبة والقبض يؤخذ ببينة الهبة؛ لأن الهبة توجب المال للحال كالبيع ادعى الشراء والقبض والآخر ادعى الرهن والقبض يحكم بالشراء إذا كان في يد الراهن، فإن علم بتقدم الرهن جعل رهنا؛ لأن للمرتهن قبضا معاينا ولا ينقض بالشك كما لو ادعيا الشراء من واحد ولأحدهما قبض معاين وأقاما البينة فصاحب القبض أولى، ولو شهد الراهنان بأن المرهون ملك آخر لا تقبل؛ لأنهما بهذه الشهادة يجران؛ لأنفسهما نفعا ومغنما؛ لأنهما يريدان إبطال حق المرتهن عن الرهن عليهما، وفي إبطال حق المرتهن عن الرهن نفع لهما في الجملة فتمكنت الشبهة في شهادتهما فلا تقبل ولأن هذه الشهادة في معنى الإقرار؛ لأنهما يشهدان على أنفسهما؛ لأنهما يسعيان في نقض عقد قديم وشهادة الإنسان على نفسه إقرار فهذا إقرار يتضمن إبطال حق المرتهن فلا يصح في حق المرتهن كما لو أقر صريحا، ولو شهد المرتهنان تقبل؛ لأنهما لا يجران إلى أنفسهما مغنما ولا يدفعان مغرما بل يضران بأنفسهما متى كان الرهن قائما، وإن كان هالكا لا تقبل شهادتهما؛ لأنهما يمنعان عن أنفسهما مغرما؛ لأن بهلاك الرهن سقط الدين وبرئ الراهن عن الدين ظاهرا ومتى قبلت شهادتهما لم يصح الرهن فلا يسقط حقهما باع رجلان متاعا بألف درهم من رجل على أن يرهنهما عبدا بعينه ثم شهد أن العبد لرجل، وقالا نرضى أن يكون دينا بالرهن تقبل شهادتهما؛ لأنهما يشهدان على أنفسهما بإبطال حقهما في الحبس ولا يجران إلى أنفسهما مغنما ولا يدفعان مغرما ولا يسعيان في نقض عقد. ولو طلبا لا تقبل؛ لأنهما يشهدان؛ لأنفسهما برهن ويسعيان في نقض عقد تم بينهما، وليس لهما النقض ادعيا على رجل أن كل واحد له الرهن فهي على قسمين أما إذا كان الرهن في يد أحدهما أو في أيديهما أو في يد الراهن والدعوى منهما حال حياة الراهن أو بعد وفاته، وقد أرخا ذلك كله أو لم يؤرخا، فإن كان الرهن في يد أحدهما، ولم يؤرخا فهو أولى؛ لأنه قد ترجحت بينة ذي اليد باليد؛ لأن يده تدل على أنه سبق ارتهانه ولأن يده صحيحة من حيث الظاهر فلا يجوز نقضها إلا أن يعلم بطلانها كما لو ادعيا الشراء من واحد والمبيع في يد أحدهما، فإن أرخا يقضى لأسبقهما تاريخا؛ لأن البينة التي آخرهما تاريخا غير مقبولة؛ لأنها قامت على رهن فاسد وكان الذي هو أسبق انفرد بإقامة البينة، وإن لم يؤرخا لا يقضى لهما قياسا وبه نأخذ، وفي الاستحسان لكل واحد نصفه بنصف حقه؛ لأن رهن كل واحد منهما نبذ بينتهما معا فصح الرهن فصار العبد محبوسا بحق كل واحد منهما على الكمال هذا كله في حال حياة الراهن فأما بعد وفاته لو أقام كل واحد البينة على ارتهانه منه يقضى لكل واحد بنصفه رهنا بنصف حقه يباع فيه عندهما وما بقي للغرماء، وقال أبو يوسف لا يقضى لهما بشيء وهو قول الغرماء بالحصص قياسا؛ لأن القضاء بالرهن منهما قضاء برهن مشاع وأنه باطل كما في حالة الحياة لهما أن القصد مطلوب بحكمه لا بعينه؛ لأنه شرع ليكون وسيلة وذريعة إلى حكمه وحكمة الرهن بعد الموت في حق هذا الحكم بخلاف حال الحياة؛ لأن ثمة المقصود من الرهن هو ملك اليد والحبس ولا يملك اثنان اليد والحبس في المشاع دائما فلا يمكن القضاء بالرهن. وأما القسم الثاني لو ادعيا الرهن من اثنين فأقام كل واحد البينة على الارتهان من آخر والرهن في يد أحدهما فلا يخلو إما أن يكون الراهنان غائبين أو كانا حاضرين أو أحدهما حاضر والآخر غائب، فإن كانا غائبين فذو اليد أولى، وإن كان الخارج أسبق تاريخا؛ لأن بينة الخارج لا تسمع؛ لأنها لم تقم على خصم؛ لأن ذا اليد أثبتت بينته كونها رهنا في حق ما في يده والمرتهن لا ينتصب خصما على المالك كالمودع فكان الشيء رهنا في يد ذي اليد كما يدعيه، فإن كان الراهنان حاضرين فالخارج أولى؛ لأن كل واحد من الراهنين ينتصب خصما لصاحبه؛ لأنه يدعي أنه ملكه ورهنه من المدعي ويجعل إقامته البينة من المرتهنين وهما يحتاجان إلى إثبات ملك الراهنين ليصح رهنهما بمنزلة ما لو أقام الراهنان البينة على الملك المطلق والشيء في يد أحدهما كان الخارج أولى فكذا هذا. وإن كان راهن الخارج حاضرا وراهن ذي اليد غائبا فذو اليد أولى؛ لأن المرتهن لا ينتصب خصما لمن يدعي ملكا في الرهن كالمودع فبينة الخارج قامت لا على خصم، وإن كان راهن ذي اليد حاضرا وراهن الخارج غائبا فكذلك طعن عيسى رحمه الله تعالى، وقال حضرة راهن ذي اليد تكفي للقضاء للخارج؛ لأن راهن ذي اليد انتصب خصما للخارج؛ لأنه يدعي الملك لنفسه والرهن من ذي اليد والخارج مرتهن والمرتهن بمنزلة المودع والمودع ينتصب خصما فيما يستحق لصاحبه؛ لأنه من باب الحفظ كما لو ادعى إنسان على المودع أن ما في يده من الوديعة لفلان آخر غائب أودعه إياه وأقام البينة على ذلك تقبل فكذا هذا والجواب عنه أن المرتهن كما يثبت الملك لراهنه يدعي دينا وهو غائب، وليس عنه خصم حاضر فلا تقبل بينته على إثبات الدين فلا تقبل على إثبات الرهن أيضا؛ لأن الرهن لا يصح بدون الدين بخلاف المودع؛ لأنه لم يدع على مودعه شيئا بل يدعي الملك له فينتصب خصما في إثبات الملك، ولو ادعى واحد على رجلين الرهن وأقام البينة على أحدهما أنه رهنه المتاع ويجحدان الرهن يستحلف من لم يقم عليه البينة، وإن حلف حلف رد الرهن عليهما؛ لأنه لم يثبت الرهن في حقه فلا يقضى به في نصيب الآخر؛ لأنه لا يكون قبضا بالرهن في نصف مشاع وذلك لا يجوز، فإن نكل ثبت عليهما على الناكل بالنكول وعلى الآخر بالبينة. وإن كان المرتهن اثنين والراهن واحدا فأقام أحدهما البينة أني ارتهنت وصاحبي بمائة وأنكر الراهن والمرتهن الآخر الرهن يرد على الراهن عند أبي يوسف وعند محمد يقضى به رهنا ويجعل في يد المرتهن الذي أقام البينة وعلى يد عدل، فإن قضى الراهن المرتهن المقيم البينة فله أخذ الرهن، فإن هلك الرهن ذهب نصيبه لا نصيب الجاحد ولا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله فيه لمحمد أنه لا يمكن المدعي إثبات الرهن على الراهن إلا بعد إثباته على صاحبه؛ لأن الرهن من اثنين لا يصح إلا بقبولهما جميعا فكان الرهن من صاحبه سببا لثبوت الرهن في حقه ومن أنكر سبب ثبوت حق إنسان ينتصب خصما له فقامت البينة على خصمه كما لو ادعى عينا في يد إنسان أنه اشتراها من فلان الغائب تقبل بينته على ذلك ومتى ثبت الرهن منهما يوضع في نوبة الجاحد على يد عدل؛ لأن الرهن في حق الجاحد غير ثابت في حق المدعي والراهن ما رضي بحفظ المدعي وحده ولأبي يوسف رحمه الله أن ما يدعيه على صاحبه ليس سببا لثبوت حقه بل هو شرط لثبوت حقه لا قول صاحبه فلا يمكنه إثبات قول صاحبه وهو جاحد كما لو ادعيا هنا من اثنين وهو في يد أحدهما وراهن ذي اليد حاضر لا تقبل بينة الخارج على إثبات الرهن على الغائب كما بينا فكذا هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
|